لو انفجر القلب الشجي لأحرقا
أو انتثر الدمع العصي لأغرقا
فما باله يبدي التجلد باسما
و(يا شجر الخابور مالك مورقا)؟
نصال على تلك النصال تكسرت
وثوب من الصبر الجميل تخرقا
وقد أقصدتْ منا المنونُ بسهمها
طرائدَ من سرب الجحاجيح تـُنتقى
وما ضرها لو أغمدته هنيهة
فقد أثخن الرامي وشد فأوثقا
أظـَنَّ الردى أنا نسيناه غفلة
فأرعد فينا كي نؤوب وأبرقا
كذاك هي الدنيا تغور نجومها
ترقب غروبا حيثما قيل : "أشرقا"
شهدنا بأن الله باق وأن ما
سواه سراب لا يجوز له البقا
بأي يد تلك الغوائل تُتّقى
إذا تربت أيدي الأمانة والتقى
أترْحلُ عنا اليوم "بداهُ" بعدما
ترَحّلَ عنا "الناهُ"؟ خطبان أرهقا !
أما كنت ملء السمع والعين والدُّنا
إماما خطيبا، عالما ومحققا
نثرت من العلم المكين كنانة
وجهزت من جيش الخطابة فيلقا
جأرت بها : "لا"، لا يقوم لحدِّها
مليك ولو جزّ الطـُّلى وتدرّقا
أنفت عن الدنيا وعن زَرَجونِها
ولو شئت ما أعياك أن تتورّقا
ولكنها نفس الكريم تصونه
إذا صانها أن تُسْترَقَّ فأعتقا
نشأت على كسب العلوم وبذلها
ولم تَسْلُها أنْ شبت فودا ومفرقا
وأوردت منها الظامئين مناهلا
عذابا إذا ما الجمع حولك حلّقا
وأجريتها بين الصحائف جدولا
إذا ازدحمت فيه الدلاء ترقرقا
وكانت لك الفتيا، وكنت بها لها
قرينين رأي العين لم يتفرقا
ولم يَسْلُكَ المحرابُ والمنبر الذي
كسوت بهاءً بالحديث ورونقا
نصحتَ فلم تأل النصيحة أهلها
وبلّغت، لا نِكْسًا ولا متملقا
وما ضاق عن داع حماك، وربما
تَجهّمَه من ضاق باعا فضيقا
تصرّم ذاك العهد، وازورّ ظله
ولم يُبْقِ إلا لوعة وتحرقا
على أنه أبقى مآثر بيننا
تُجدِّد ما أبلى الزمان فأخلقا
تُقارع موتا لا يقاوم سطوة
إذا طرقت بالعلم أصغى وأطرقا
سأضرب صفحا عن رثائك إنني
أرى مُهْرَ شعري في رثاك معوّقا
وهل أنا إن هنّأتك اليوم واجد
لما أنا أبغيه بيانا ومنطقا
أراك وقد عرست في مربع به
بنيت على قرن السماوات فندقا
فألقِ العصا فيه، وتلك جنانُه
تبوأْ قريرَ العين منهن مرفقا
سقت أبيض الماء الشآبيب رحمة
ولو أنه صابا سقانا وأغدقا
سلام على الشيخ الإمام محمد
وقد حل في لحد هنالك وارتقى
وبورك في تلك العشيرة كلها
ولا شربتْ ماءَ الحياة مُرَنّقا
ويا رب عطّرْ بالنبي حياتنا
وطيّبْ به الأنفاسَ في ساعة اللقا
وصل عليه من لدنك صلاة من
إذا هو صلى فاض فضلا وأطلقا